الثلاثاء، 30 يونيو 2020

طارق البحر يكتب ..







الديناصور عماد الدين إبراهيم 


مِن أبرز وأجمل الأعمال في تاريخ الدراما الإذاعية على إذاعة أمدرمان مسلسل الديناصور الذي قام بإخراجه المُخرِج المِفن عماد الدين إبراهيم وهو من تأليف وأشعار الشاعر المسرحي هاشم صديق ألحان وغناء الفنان أبوعركي البخيت و مجموعة مِن كِبار المُمثلين منهم عبد الحكيم الطاهر، تحية زروق، حاكم سلمان و عبدالرحمن الشِبلي وذلك في العام  ١٩٨٥م.


تدورُ أحداث المسلسل حول إنقراضِ القِيّم الجميلة والفاضلة التي كان يتمتع بها المجتمع كإنقراضِ الديناصور الذي أضحى حالةً سماعيةً في ماضي المجتمعات، وهُنا نُلاحِظ المُفارقة بين قِيم الماضي والحاضر بنهاية وإنقراض هذا الحيوان الخُرافِي.
موسيقي

شِعار مُسلسل الديناصور إعتمد فيه المُخرِج على الذائقة الغناىية المتفجرة من حُنجرة المبدع الفنان  أبوعركي البخيت؛ فهو ملحن ومؤدي الشِعار. لم يذكرْ المُخرِج في هذا الشعار سوى إسم المُؤلف هاشم صديق والمُلحن والمؤدي أبوعركي البخيت ، إضافةً إلى إسم المُخرِج ذلك في بداية ونهاية المسلسل؛ وهذا إسلوب جديد في عَمل الشِعارات في ذاك الزمان ولكن بالعُمق السماعي وأحداث المسلسل كأنما أراد المخرج عماد الدين إبراهيم أن يقول أن جَسَد المُمثل الذي جَسَّد هذه الشخوص عبر الصوت مِن خلال جُمَل المؤلف هاشم صديق هي عبارة عن جزء من فعل إنقراض القِيم الجميلة، حتى الأسماء لاقيمةَ لها في ظلِ فعلٍ يحكي عن ديناصور إنقرض.

أيضاً يُلاحَظ إستخدام المُخرِج عماد الدين إبراهيم للمؤثر الصوتي فيه كثيرٌ مِن الشاعرية حتى في المسامِع ذات الفِعل الدرامي العنيف؛  كمقتل أمونه في مسلسل الديناصور في الحلقة ٢٦ بالمُقارنة بين الفِعل الدرامي وإستخدامه للمؤثر الصوتي، مثل ( صوت عربة نقل إمونة إلى الحِلَة ) نجده لايتسِق وحجم الكارثة، و لكن في سِياق المَسمَع الكُلّي ليس فيه خلل؛ وهذا يرجِع إلى إحساس المُخرِج الشاعري؛ ذلك الوصف الذي إتسم به عماد الدين إبراهيم  في طريقةِ حديثه العادي وأفعاله، في أقوى الحالات يتصف بالهدوء ولايصل إلى درجة الخصومة. هكذا كان الديناصور عماد الدين إبراهيم متسامحٌ في كل شئٍ حتى في الفِعل الدرامي كان نَبيل.

المَسمَع الدِرامي عِند عماد الدين

المَسمَع الدِرامي هو ذَاك المُكوِّن السَماعِي الذي يَحمِل في داخِلِه شُحنة الإحساس بين المؤدي والمؤثر الصوتي والموسيقى في حَيزٍ جُغرافيٍ مُدرَك لدى المُتلقِى.
إعتمد المُخرِج عماد الدين إبراهيم في تفسيرِه السَماعي لأحداث مُسلسل الديناصور على شخصية أمونة وهي بَطلة المُسلسل، و هنا يلتقي الكاتب الأستاذ هاشم صديق مَع المُخرِج في  ( مفهوم المرأة ككائن فاعل في حركة المجتمع ) وأمونة هي آمنة ( والدة هاشم صديق ) وقَمر قَسوم هي ( والدة المُخرِج ) فكان التلاقي على اللون الأخضر الذي يعني الحياة والإزدهار والحركة اليومية، إلا أنَّه كل فقدٍ أضحى كالديناصور في الخَيال السَماعِي ويظهر ذلك في الحلقة ٢٦ في المسمع الثالث تحديداً في ( وفاة أمونة غَدراً ) مِن قِبَل الصادِق أحد شخوص المسلسل.
دلالات اللون في الديناصور دائماً ماتَتسِم باللون الأخضر ويظهر في ثنايا الجُمَل مباشرةً كما  في حرث الأرض والزراعة وحركة الطورية في الحفر وصوت المياه في إستخدام المؤثرات الصوتية، إلا  أن أصوات الرصاص هي التي قَضت على الأخضر كإنقراضِ الديناصور.
اللُّغةُ الشاعِرة عند المؤلف والإيقاع الشعري لدى المُخرِج في إستخدام الموسيقى والمؤثرات الصوتية مَصحوب بالأداءِ التمثيلي وفقَ رؤيةِ المُخرِج أظهَر مسامع درامية عَبّرت عن ماضيٍ وحاضرٍ ومستقبل لدى المتلقي؛ فهي حالةٌ سَماعية جمالية لخصَّها المؤلف والمُخرِج والمُلحِن أبوعركي في شِعار المُسلسل : كل البنات أمونة ياخرتوم
 " مع في البص على أمدرمان
ألاقي وجيها شاقي النيل "
جماليات الفِعل السَماعي عند المُخرِج عماد الدين إبراهيم عبّرت عن حالة سماعية مكتملة الأركان نصاً إخراجاً و متلقى مثلث متساوي الأضلاع.

إختيار المُمَثلين
يُلاحَظ أن المُخرِج عماد الدين عند إختيار فريق العَمل مِن المُمَثلين لم يعتمدْ على نِظام الفريق الواحد بل إعتمد على النجوم؛ كلٌ حسَب خامةَ صوتِه وتوافقِه مع الشخصيةِ المُختَار، لها إضافةً إلى أنَّه حاول إتاحة الفُرَص لِغير النجوم و الظهور إلى جانب النجوم؛ وهذا شيء يؤكِد جدية عماد في إختيار ( كاستِه الفني ) ومدى قلقِه في إظهار أصوات جديدة، أحمد البكري، محمد سليمان دخيل الله، طارق البحر، إلهام بابكر، يحي فضل الله، كل هؤلاء النجوم ظهروا في فترة الثمانينات وهم خريجون جُدد مِن مَعهد الموسيقى والمسرح.
بالرجوع إلى مكتبة الإذاعة الصوتية بالهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون راديو أمدرمان نجد أن حَصِيلة المُخرِج عماد الدين إبراهيم في المسلسلات بدأت منذ العام١٩٨٢ مع الشاعر السر أحمد قدور والكاتب الإذاعي تاج السر عطيه والشاعر المسرحي هاشم صديق.


سباعية عندما توقف الزمن تأليف تاج السر عطيه ١٩٨٢م.
أطياف وأصدا تأليف تاج السر عطية ١٩٨٢م.
مسلسل كلام الليل تأليف تاج السر عطيه ١٩٨٢م.
مسلسل شعبان في رمضان تأليف السر أحمد قدور ١٩٨٥م.
حكايات قمر الزمان تأليف السر أحمد قدور بدون تاريخ.
سباعية طيفور تأليف السر أحمد قدور ١٩٨٥م.
مسلسل الديناصور تأليف الشاعر المسرحي هاشم صديق.


سيرةٌ حافِلة بالإبداع السماعي خلّفها المُخرِج الإذاعي عماد الدين إبراهيم عبر إذاعة البرنامج العام أمدرمان.
شَمِلت الدراما الإذاعية إلى جانب البرامج الثقافية والمنوعات إضافةً إلى البرامج التوثيقية والبث المباشر والأيام المفتوحة التي كانت واحدة من سِمات البرمجة في الإذاعة السودانية.
المُخرِج الإذاعي عماد الدين إبراهيم تشبّعت كل أعمالِه بروحِه الطيب السمح وحديثِه العَذب العطِر و تعاملِه الإنساني البسيط الذي لايشبه واقعنا اليوم؛ الذي إنقرض فيه كل ماهو جميل فأضحى عماد الدين إبراهيم وحيداً كما الديناصور.


المغفرة والرَحمة إلى روح أخينا عماد الدين إبراهيم ببركةِ هذا الشهر الفضيل رمضان المبارك



أخوك
د. طارق البحر


الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون السودان
إذاعة البيت السوداني
الخميس 14/10/2020
الموافق 20 رمضان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق