الجمعة، 13 سبتمبر 2019

رسالة إنتحار




" لقد إستنفذت قدرتي على مواساتي "
-----
يٌقال أنها رسالة إنتحار تركها أحدهم قبل أن يقدم على فعلته التي أفقدته حياته، لعلها الرسالة الأعقل على الإطلاق – ليس احكمتها – ولكن لأن صاحبها كان يعرف مسبقاً أنه الأحق بمواساة نفسه، و أن عليه في كل حين أن يزرع أزهار الأمل بين جنبات قلبه الموغل في الجدب بفعل تحديات الحياة و آلامها ..ولكن ماذا لو حاول مجداً أن يتحايل على نفسه وقدّم مواساة من نوعٍ جديد..؟؟
إذاً هذه الكتابات هي مواساة فاشلة بعد فوات الآوان ..!!
جميعنا يحتاج للمواساة؛ فنحن يا عزيز في هذا العالم المجنون اللاهث خلف المجهول تمضي إلى أين لا تعرف؛  ولكننا مصرون على مواصلة الرحلة حتى النهاية...
ربما تكون قد فشلت في أن تجد عملاً تعيل به ذاتك، أو فشلت في أن تلتحق بالجامعة التي تحلم بها، أو حتى لم توفق في أن تقتني هاتفاً جديداً، أو فشلت في علاقةٍ ما ... وربما حدث كل هذا معك ..!! ولكن هل تختصر كل هذه الحياة بإتساعها في هذه الأحداث التي قابلتك ؟ ما زال هناك متسعٌ لحلمٍ قادم،  ربما يحجبه عنك الآن غشاوة الألم التي تظلل قلبك  والدمع الذي يتدفق من محاجرك، هي أيامٌ وتبصر الضوء، أيام ويظهر أمام عينيك طريقٌ تفوح من على جوانبه عطور زهرة الأوركيد والنرجس و ينطلق قطار الأحلام إلى محطاته التي توقف عنها طويلاً.
تمسك بقدرتك على إقناع ذاتك بالأمل،فما نحن بلا أمل  سوى أجساد خالية من كل شئ، لا تفقد قدرتك على مواساة ذاتك. كل ما تراه قد شارف على الإنتهاء، أضف إلى نفسك مخزون الأمل و أنظر كم محنة مررت بها وخرجت منها أقوى مما أنت عليه الآن ...
و لعل المفاجأة التي لن تتوقعها هي أن ما أوصلك إلى هنا قد شارف على الإنتهاء هو فقط خيط فجرٍ قادم وينتهي كل هذا.
وكأنني أرى لك بعين خيالي بعيد المدى ماهو قريب أرى حلمك الذي أفنيت عمرك بإنتظاره يلهث خلفك و أنت توقف المسير نحوه، بل وتدير ظهرك له متوجهاً لمحطاتٍ آخرى. فقط لو تتحمل القليل وتمضي في طريقك نحوه ستصل قريباً أراك الآن تعانقه وجهاً لوجه.
أنت لم تستنفذ قدرتك على مواساة ذاتك كما تظن يب قد إجتاحك التشاؤم و جافاك الأمل، عما قريب ستعود طيور النورس تُحلّق في الشواطئ تغني للعائدين أناشيد العودة والترحاب، عما قريب تنطلق الزوارق لتبحر مجدداً في بحار الحب و الصداقة ونغني جميعاً أغنيتنا المشتركة بصوتٍ (نشاز) فقط لو تتحمل هذه الأيام العصيبة التي تمر بك؛ هي مُرة ولكنها غير مقيمة – مثلها كأي حدثٍ في الحياة سرعان ما تتخطاه الذاكرة بالنسيان، وتعود أنت لمشاغلك اليومية، لشاشة تلفازك العتيق و أنت حدق بها في إنتظار جديد ومدهش، تعود لهاتفك المحمول وعالمه الرحب الضيق، تعود لكتبك التي لم تقرأها جيداً ولم تُعِدْ إكتشافها مجدداً، لموسيقاك المحببة، هي أيام علقمية المذاق على القلب و الذاكرة و لكن تذكر خلف كل طعم مرير هناك حلاوة تنسيك مرارة ما لاقيت ومذاق يتغلغل حتى زوايا روحك المتعبة.
إحتفظ بكل القصاصات اليائسة هذه وضعها في صندوقٍ أسود اللون يشبهها حتى إن عادت تلك الأيام عدت إليها و ضحكت على سذاجتك في لحظةِ يأسٍ عابرة...
غداً ينتهي كل هذا يا عزيزي...
غداً نضحك و كأننا لم نبكِ يوماً ما، كأن الأحزان لم تعرف ديارنا ولا طريقها، كأننا كنار يغني للحرية والجمال...
غداً يصمت الناي الحزين وتعود الأغاني من جديد تدوزن أنغامها فينا، نعود لضجيج الحياة و ألوانها وحركتها ونترك الحزن والدموع والوحدة..
غداً نلوح للأيام الكئيبة بالوداع بعد أن نتركها في المقطورة الأخيرة من قطار الأحزان و اليأس و النحيب..غداً تحلو الحياة

( كانت هذة محاولة لإثناء أحدهم عن الإنتحار وسنواصل في قراءة رسائلهم القصيرة والرد عليها )




هناك تعليق واحد: