الاثنين، 18 مايو 2015


رســــــــــالة من الأمس
طبيعة الحياة تحتم علينا ان نجاريها ونتغير وقفا لمعطيات العصر , قد يكون هذا التغير اراديا او اجباريا , ولكن يظل الحنين وسادة نتكئ عليها , حلم نتمني عودته يوما ....هي طبيعة الانسان الحنين الي الماضي بالرغم من ان الماضي ليس جميلا دوما .
ويقيني بأن كل إنسان هو عبارة عن كتاب , يحتوي علي غلاف ومحتوي وصفحات وتكمن بين صفحاته الاسرار , الحكم ,الجمال , القيم والمتعه و...... لن تتتعرف علي  كل ذلك الا اذا اقتنيته وتصفحته بهدوء ...واحيانا نحتاج ان نقرأ بعض الكتب مرتين او ثلاثه .
كل منا لديه أغنيته المحببه التي يرددها وحده , يحملها تنهيدة بين ضلوعة , يدندن بها دون أن يشعر وربما ضبطنا مرات كثيرة ونحن نسترها خلف قناع الدندنه ولكنها تحكي قصة أبطالها من عالم آخر, الاغنية السودانية شكلت وجدان الشعب السوداني باكرا وكثر هم الذين ساهموا في هذا التشكيل .
وحتي وقت قريب كانت الرسائل الورقيه هي وسيلة التواصل المحببة هي أمل العاشقين , جسر يربط قلوب المحبين , معبر بين المغترب ووطنه , البريد كان يحمل من الحروف "احاسيس" منها المفرح والمبكي , فكان مقياس الاهل حينها للتعليم إذا سمعوا بان ابن فلان يدرس كان السؤال :
أها بتقرأ الجواب؟؟
وكانت الحلة كلها تموج فرحا حين يسمعون ان (فلان) جابوا ليهو جواب , فكانت الاسرة تجتمع كلها وينادون ابنه المتعلم "ليقرأه" لهم ,, فتكون البداية بعد التحية تأتي البداية التي تحفل بها كل الرسائل " وإذا سألتم عنا فنحن بخير لا ينقصنا سوي رؤياكم الحبيبة" .....ثم السرد اما عن كذا فهو كذا!!!
ماهي الا لحظات ويبحثون عن المتعلم الذي "يكتب الجواب" ,, وتجتمع الاسره مره آخرى ثم البداية السرمدية المعتاده " كيف حالكم وأحوالكم في هذه المدة الطويلة التي لم نراكم فيها ......" ...كانت أحرف تلك الرسائل تفيض حنينا ويتدفق الشوق من بين أسطرها ماضيا إلى الغائب الذي سيحتفي بها ويضعها في خزانه مخصصة للرسائل ...وأعتقد أن كل الذين عاصروا تلك الفترات مازالوا يحتفظون برسائلهم في صناديق من خشب ....معها أشياء أخرى.
أما عن خطابات العشق فكانت حاضرة , هي السلوي للعشاق حيث كان البعد مؤلما والغياب أقسي وأكثر إيلاما ....فكانت تحفل الاوراق بالقلوب المرسومة بصورة عشوائية والاحرف تحكي عن صبابة فاضت فتشكلت علي هيئة أحرف فرسمت , ثم يستقبلها الطرف الأخر بلهفة , يحتضنها يجعلها تشاركه السهاد ويبثها لوعته وحنينه.
كان تحفل جوابات زمان بالعبارات المعبرة والكلمات الجميلة , والاكثر شوقا هو الذي يتفنن في ايجاد مفردات ذات معني أكثر تعبيرا عن المعتاد والبداية التقليدية والتي تكون عادة منقولة من رسائل الاخرين , فحسناوات ذلك الزمان كن أكثر ثقافة . وكتب الشعراء في ذلك الكثير من الاغنيات منها ما غناه مجذوب أونسة
(آخر خبر كتبوا الجواب) كتعبير لما يدور في قلب المحبوب ليقطع هواجس الشوق بيقين الخبر ,, فمضي يسرد هواجسه المؤرقه ....ثم يعاتب مجذوب الحبيب ...وهو يحكي متسائلا ومستغربا " ايه الحصل مابين يومين قسي القليب الكان حنين وخلاهو اكتب لي كلمتين .....وزرفت وراهم دمعتين" فما تحمله الجوابات كان كفيلا بتكدير حياة العشاق وذرف دموعهم ...فالبعد والكلمتين التي حملها خطاب الى مجذوب  كانت كفيلة بإبكاءه . بعدها جاء ليعيد كبرياء احرفه مع عتاب مخفي بين الاحرف ليرد بكلمات تحمل تذكير قاسي به استعطاف جميل  " انا ما جبرتك يوم تحب .... بس انت بي طيبة قلب .... مشيتني في اطول درب.... اطول درب مشيتني فيه ليه" ......في هذا المقطع يردد مجذوب الكوبليه مرتين ثم الثالثه وبصوته الندي الذي يتدفق حنا ....ودمعات الاخرين تتساقط متاقطره .
يأتي مره أخرى للعذال والوشاه الذين دائما ما يكون همهم الشاغل التفريق بين الاحبة ....يعاتبه برقه هنا باكيا ومحلقا في سموات النغم " اطول درب مشيتني فيه ليه..... امروك خلاص تترك هواي.... جبروك خلاص تترك هواي.... وتوهب قليبك لي سواي " ....يخرج هنا ملوحا بيد الوداع يائسا بائسا بعد أن كان الجواب سببا في فراقهم .
يختتم مجذوب بكائيته وهو يضع أخر خطواته للخروج من باب الدخول معترفا ربما جاء متأخرا لكنه هيهات فقد فات الاوان الان ...يبكي " حبيتك انت وقلبك ما معاي
...النار بتحرق في حشاي ....مبروك عليك دا هناك هناي " ... لتكون الخاتمه كعادة العشاق التضحية متمنيا لها السعاده ليثبت ان همه الشاغل هو سعادتها ,,,ليكون الجواب والكلمتين التي كتبتهم سببا في الفراق الابدي.
في جانب اخر اجتمع مصطفي سند وصلاح مصطفي في "غالي الحروف " التي جاءت بدايتها جدا خاليه من المراوغات " أكتب لي غالي الحروف " .....وهو  نهج سار عليه محمود عبدالعزيز حينما حكي " أكتبي لي ..طمنيني عليك " ....وقد سبقهم الكاشف ....حينما ردد " حبيبي أكتب لي وأنا أكتب ليك" .....لم يكن هناك بد من الاشواق والكتابه للحبيب.
كتب التجاني حاج موسي " جواب للبلد " حكي فيه عن لوعته وشوقه للبلد والام ....كما إشترك صلاح حاج سعيد ومصطفي سيد أحمد بالكتابه في رسالة حب للجميع عنوانها الاعتراف الواضح " كتبت ليك لا بيني بينك ريده لا قصة غرام "
كتب سيف الدين الدسوقي للجابري "رسائل" فقرأناها جميعا ....غير أن خطابات الغرام في فترة التمانينات لم تخلو من كلمات الصادق الياس التي خطها للجابري  " من طرف الحبيب" .....حيث جاء فيها عتابا واضحا " يحكي عتابو فيها...قال ناسنو قايل" , ظلت تلك الاغنية سلوي للعاشقين مدة من الزمان ...فحملتها الطيور المهاجرة انسية لليالي ولا زالت ...فحينما انتج الجابري هذا الكاسيت اقتناها الجميع يستمعون اليها ثم يرددوها مرات ومرات ....
الرسائل الورقيه ...واقع  عشناه فترة من الزمان ...أغنيات اصطحبناها زمانا والحان ذكريات ...احلام ....وايام لن تعود ....و...أخر خبر كتبوا الجواب





تحياتي لكم نزار عبدالله بشير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق