الخميس، 12 ديسمبر 2019

الرمال ...عشق الذاكرة المكانية





بقلم : نزار عبدالله بشير

مزاج الكتابة سيء جدا اليوم، أحرفي متبرمة مني ، وﻻ شك أنها قد صاقت بي ذرعا ، لأنني كثيرا ما أجبرها على الحضور ...حتى وإن كانت سيئة المزاج ، أعرفي (متصدعة ) قليلا فعذرا إن جاءت دون مزاجكم ، فتوقي لمعانقة أزواقكم يجبرني أن أكتب لكم رغم مر الأيام وعلقهما ، ولكن يقيننا بأنها كل ما ضاقت إلا وفرجت ، فلنتكيء على ذاكرتنا ...لنريح دماغنا قليلا من زحمة الحاضر ووعثاء الحياة ، أنسوا كل شيء ، فقط إصغوا لدقات قلوبكم وصوت ضميركم.
- كنا حتى وقت قليل ؛ نتخذ من العصاري مجالس للأنس ؛ فنجتمع على شكل دائرة على إحدى التلال الرملية الكبيرة ،التي عادة ما تحتفظ بالرطوبة في طبقاتها الداخلية فنجلس على شكل دائرة كبيرة الحجم ، ونبدأ تلقائيا بإلقاء الطرف والنوادر والملح ، وينداح ظرفاء المجلس باطلاق حكاياهم ،وقصصهم الغريبة والمضحكة ، ونغزل من خيوط الشمس دفئا نعطر به أمسياتنا،فسريعا ما تنوم الشمس محتضنة أشعتها ،ملمة إحمرار خديها غروبا ، فنعود لصلاة المغرب والاستعداد للعودة.
-قبيل صلاة المغرب بذات الاجتماع ننتقل به من تلك التلة الرملية إلى (الديوان) حيث إجتماعات لمة شاي اللبن برائحتة التي تفوح رائحتة المميزة،وأكواب شاي اللبن بنكهتها التي تبقى طويلا في الذاكرة ، ونبقى متقدي الذهن قبيل العودة الي أحضان الرمال مجددا ، ما أن نفرغ من صلواتنا حتى نجتمع دون إتفاق عند فوق التلة الرملية ، تستنشق أنسام المساء الصافية ، النقية ؛الخالية من تلوث دخان عوادم السيارات وغبار المصانع ، نستجم من رهق الحياة على تلك الرمال ، نبوح لها بأسرارنا ...حكايانا ...قصصنا ، فهي ما زالت تحفظ ملامحنا جيدا ولم تفضحنا يوما.
- قبيل سبعة أعوام حيث كنت أمتلك هاتفا ﻷول مرة ، سافرت من قريتي إلى إحدى المدن وكانت الهواتف رغم بدائيتها إلا أنها ثمينة المحتوى ، كانت تحكى عن دهشتنا بالتكنولوجيا وتحولنا المفاجئ من الرسائل الورقية الي الرسائل النصية (SMS) وصلت مرهقا مستمتعا برحلتي في محطاتها المختلفة ، نمت نوما عمييقا ، إستيقظت ووجدت رساله نصية على هاتفي ...قرأتها .... وكانت تحكي :
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺸﺘﺎﻗﻴﻦ
ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ ﻣﻨﻚ ..
ﺍﻣﺴﻴﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﻮﻗﻲ ﺍﻟﻴﻚ
ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ ﺍﻟﻨﺎﻋﻤﺔ
ﻣﺸﺘﺎﻗﺔ ﻟﻤﺸﻴﻚ
ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﺮﺍﺣﻠﺔ
ﻓﻲ ﺿﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎ ﺗﺴﺄﻝ ﻋﻠﻴﻚ
ﻛﻴﻒ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﻀﻔﺔ
ﻭﺍﻟﻨﻴﻞ ﻫﺎﻥ ﻋﻠﻴﻚ
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺸﺘﺎﻗﻴﻦ
ﻃﺎﻝ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺮﺍﻗﻜﻢ
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﻏﺎﻳﺒﻴﻦ
ﻗﺪﺭ ﻣﺎ ﻧﻨﺴﻰ ﺍﻟﻌﻠﻴﻨﺎ
ﺑﺮﺿﻮ ﻣﺸﺘﺎﻗﻴﻦ
انها كلمات إسماعيل حسن ، نعم فعلا التي لحنها وردي ، ﻻ تستغربوا كأني أعرفها ﻷول مره أو ربما هو كذلك فعلا ، تأملتها جيدا ،أعدت قراءتها مرات عديدة وأظل واقفا واجما عند مصطلح (الرمال الناعمة) متأملا ،متألما ،لم يلفت إنتباهي شيء غيري ﻷن ذاكرتي المكانية إستحوذت على بقية عواطفي ...ولا زلت اقف عندها كلما وجدتها في عمل فني.
- جميعكم لكم ذاكرة مكانية ،تعشقونها خفاءا دون أن تعلموا ،تعيدكم اليها أبسط الأشياء ، عطر يصادفك على حين غفلة ما من عمرك ،رحلة قصيرة،يوم غائم ، إبتسامة طفل ، كل تلك الأشياء تعيدك إلى مكان ما ، في لحظة ما  عشتها من حياتك ، مرت دون تن تشعر أنها الآن جميلة ؛فالاوقات الممتعة ﻻ نحس بها إلا بعد أن تنقضي، لكل منا ذاكرة مكانية يعشقها ، يدمن إستراجعها ، وذاكرتي المكانية نادرة الرجوع فهي بخيلة جدا.
-تحتفي ذاكرتي المكانية بالرمال (القيزان) ككنز غالي من الذكرى ،لحظات مسائية كثيرا ما أستعيدها عند وجود رابط يجبرك على العودة القسرية -وما أجملها من عودة - ليس هناك شيء محدد يمكن أن أعرفه لاجبرها على العودة لكنها تأتي دون وعي ...فكم رددنا حينا من الزمان مع ايقاع الدليب :
يا رمال حلتنا زولا كان بآنسك
يا حليلو
محبتي لكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق