السبت، 10 أغسطس 2019

موسمُ الأشواقِ إلى خيرِ الورى





نزار عبدالله بشير
جدي الذي قد كاد يقلته الشوقُ إلى خير الورى،في كل موسم للحج يُضنيه الحنين،ويُعالج الأشواق ببث الحكايا والروايات والسِيّر،لنا حتى نُهيم من فيضِ محبته الدافقة،فصِرنا نتوقُ في كل عامٍ مثله تماماً إلى تلك  الروضةِ الفيحاء حيث يسكن قبره وصحابه،في كل عامٍ يَستعِرُ الشوقُ إلى زيارتِه عليه أكمل الصلاة وأتم التسليم،فتنتابني وأقراني حالةً من الحنين ومِن قبلنا جدي بالطبع.
كلما سمعنا مُهللٌ أو مكبر ينوي الحج نستحضر الحكايات التي تربينا عليها و تدخل في نفوسنا حالةً من النشوة التي لا نعرف لها سبيل،فأدعوا أن أكون في زمرة الزائرين وأتمثلهم وكأنني قائم أصلي في الحرم أوكأنني ببلال (رضي الله عنه) قائماً يؤذن في مسجد رسول الله،أوكأنما أُحلِق كحمام الحرم ، يوم أن يطوف الحجيج حول الكعبة طواف القدوم،أي حِس ذاك الذي يراودهم وهم على بعد خُطواتٍ من روضته الشريفة؟ كيف حالهم وهم في البيت الحرام؟ أي شعورٍ يسعهم وهم في أكرم البلاد؟
إبتهالات جدي وبكاءه ودعواته عقِب كل فجر،جعلت من الفجر عندي وقتاً مقدساً قبل أن أعرف أنه وقت أقسم به الله عز وجل في كتابه الكريم،فكيف هي في حضرة مسجد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؟ بل كيف هي لمُحرم بالحج مغرمٌ ببلاد النبي الكريم بل كيف هو قرءان الفجر في بيت الله الحرام؟.
في كل موسمٍ للحج تجتاحنا الأشواق إلى شفيع الأمة،كما إجتاحت بلال يوم أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فلما استيقظ من نومه غَلَبَهُ الشوق لزيارة قبر رسول الله محمّد صلى الله عليه وسلم فشدّ رحاله وقَصَدَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إليه الحسن والحسين عليهما السلام فقالا له: نشتهي أن نسمع أذانك يا بلال فصعِد إلى المكان الذي كان يؤذّن فيه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ بالأذان فقال: “الله أكبر الله أكبر” فارتجّت المدينة، فلما قال: “أشهد أن لا إله إلا الله” زادت رجّتها، ولمّا قال: “أشهد أنّ محمّدًا رسول الله” خرج الناس من بيوتهم يبكون حتى النسوة خرجن من بيوتهن ولم يُرَ أشدّ باكيًا وباكيةً من ذلك اليوم إلا اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. غلبنا الشوق مثله (رضوان الله عليه) بيد أننا تخاذلنا ولم نعالج شوقنا مثله؛تخاذلنا يا رسول الله ولم نهب إليك (سيراً وسُرىً) لم نقم حافيي القدمين لتلبية منادي الشوق إليك في موسم الأشواق،سامحنا يا رسول الله لم تسعفنا حتى العواطف لنعبر عن ما يجيش بالدواخل بالمحبة والحنين لدارك الطيبة.
في موسم الأشواق إلى خير الورى،تهاجر الأرواح والقلوب إلى بلاده الطيبة رغم تخاذل الأجساد والظروف،فتطوف معهم وتسعى بين الصفا والمروة وتسوح في رحاب المحبة الصادقة وتسح مع دموع الذين غلبهم الشوق إليه ففاضت أعينهم من فيض المحبة،تمتلئ القلوب باليقين فتنسى الدنيا و أمرها وتشبع الروح الملتاعة إلى رؤية بيت الله ويهدأ روعها بمس الكعبة ونشق عطر الحجر الأسود،ثم ترتوى من فيض النهل الزلال في زمزم الطيبة.
في موسم الأشواق إلى خير الورى،ترتعش الأجساد شوقاً لملامسة الإحرام،ترتجف الأكف لمصافحة أرض المسجد النبوي،تتآكل الأقدام باللهفة للسعي بين الصفا والمروة، وتتوق النفوس إلى الرحيل لبلاد الخيرين،مهبط الوحي وأرض القرءان،أن تهلل مع المهللين في مواكب النور وقوافل المريدين أن تصابح الحياة بأياتٍ في الحرم وتماسيها بصوتٍ يتلو خاشعاً ما تيسر من آي الذكر الحكيم.
كيف حال الذين كُتب لهم هذا العام زيارة الحبيب المصطفى وهم وقوف بقربه (صلى الله عليه وسلم) ؟ هل نالهم ما نال حسان (رضى الله عنه) يوم أن وقف على القبر دامعاً خاشعاً متوجعاً لفقده الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فأنشد:
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدّد
في موسم الأشواق هذه الأيام ندعوك يا الله بكل إسمٍ هو لك أن تسامحنا على تقصيرنا و أن تكتب لنا توفيقاً لقضاء (الركن الخامس) وزيارة بيتك الحرام وؤية الحبيب المصطفى صلي الله عليه وسلم، ربي بجاه نبيك المصطفى أكتب لنا رحمة ومغفرة،وأحشرنا في ذمرة الأحبة محمد وصحبة .

إستمع للنص من هنا
https://soundcloud.com/nezarmedia/f2q50stly4rg
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق