الاثنين، 9 مارس 2020

اليوم العالمي للإذاعة | الراديو | الإذاعة و تشكيل الوجدان





نزار عبدالله بشير

للإذاعة سحرٌ غريب تمارسه على كل من أَلِف الإستماع إليها، و تتكيء على تاريخٍ ضارب في القِدم، و نجد كِبار السِن أكثر إرتباطاً بها وذلك كونها إرتبطت بهم وجدانياً لفترات طويلة و كانت منذ صباهم الباكر جزءاً من روتينهم اليومي إما الصباحي أو المسائي.
يُعَرِف الخُبراء تشكيل الوجدان بأنه " السيطرة على الجانب العاطفي و الإنفعالي للإنسان و هي مرحلة أبعد و أبلغ من الجانب المعرفي والفكري. و لا تكون إلا بعد مرحلة طويلة من الخضوع الفكري، والتبعية الكاملة و الإستسلام لكل ما يُلقى إلى الإنسان " و هذا ما يفسر تصنيف أخبار الراديو بالصدق المطلق، و تكذيب ما دونها من أخبار – و إنت كانت أصدق – لذلك تجد الكثيرون يطلقون عبارة (لقد تم يثها على الراديو ) كعبارة لحسم أي جدال حول مدى صِحة أي خبر.
يرجع دور الإذاعة في تشكيل الوجدان لكونها أولى وسائل الإعلام التي تعرف عليها الإنسان و لكونها الوسيط المتاح  للجميع و لسهولة الإرتباط بها؛ حيث تكون متوافرة حتى في أبعد الأقاليم و المناطق الطرفية و يكفي راديو واحد في متجر أو مقهى ما ليستمع إليه مجموعة من رواد المقهى أو متاعبة مباريات كرة القدم أو الأخبار، أو الإستماع إلى الأغنيات و البرامج الأخرى. بدأ الراديو كفكرة في معظم الدول كوسيط تحتاج إليه الحكومات أو الجهات الرسمية لبث الأخبار لعاة الشعب، وعادة كان يكون بثه لفترات قليلة ثم تمديد فترة البث و إضافة البرامج الواحد تلو الآخر حتى أصبح باقة من الأفكار المنوعة التي تلبى إحتياجات الجميع، هذا التنوع جعل الجميع يكتفي به – في وقتها – كوسيط يقدم الجرعات التوعوية و الترفيهية التي يحتاج إليها و من بعد ذلك الشغف و المحبة في الإستماع إليه ثم إدمانه و الإستماع إليه في معظم الأوقات و بالتالي تشكيل الوجدان.
كثير من خُبراء العمل الإذاعي يؤكدون بإستمرار على ضرورة صناعة هوية محددة لمحطات البث الإذاعي، لتتميز كل محطة إذاعية عن غيرها و بالتالي التخصصية في تقديم المحتوى الإعلامي الذي يبحث عنه المستمع و ثراء الإسفير بالموادة الإذاعية الدسمة المتخصصة و البعد عن التقليدية حتى تصبح لكل إذاعة بصمتها الخاصة. الإذاعة بتنوعها ذاك و بتخصيصتها و خصوصيتها إستطاعت أن تصمد في وجه كل التغييرات التكنولوجية، حتى حين تنبأ الكثيرون بإندثارها كوسيط تقليدي وسط زخم التكنولوجيا نجدها أضحت أكثر إنتشاراً و تطورت تبعاً للتقدم التنولوجياً و أصبحت إمكانية تواجدها محمولةً أكبر في الهواتف و السيارات و في الطائرات و بالتالي زيادة الوثاق و الإرتباط بها و تشكيل الوجدان .
للإذاعة دور كبير في الحياة العامة و التأثير على الناس من خلال الرسائل التي تُبث عبرها سواء كانت سياسية أو مجتمعية أو حتى محاولة (لإرساء ) بعض المفاهيم القيمية أو التربوية لذلك نجد الآن من أوائل الأماكن التي تتم السيطرة عليها أثناء أي محاولة (إنقلابية ) هي الإذاعة الرسمية للدولة، أو حكايتها بإعتبارها الوسيط الرسمي الذي يُخاطِب من خلاله الحاكم محكوميه و ذلك يعود لنفوذ الإذاعة و سلطتها و قدرتها على التأثير؛ في العالم العربي إنتبهت الدول في فترة باكرة لضرورة إنشاء إذاعات ناطقة باللغة العربية تخدم أغراض تلك الدول – حتى تلك التي كانت مستعمرة – إنطلاقاً من أهميتها و قدرتها على مخاطبة الوجدان، يقول الخبير الإعلامي و الإذاعي السوداني البروفيسور علي شمو إن " الإهتمام بالإذاعات الناطقة باللغة العربية في الدول العربية أمراً بات في غاية الأهمية من الدول المستعمرة، وذلك لخدمة أغراضها أولاً وأن أول من أعطى فكرة تأسيس إذاعة عربية هو يونس بحري رجل عراقي الجنسية.." وهذا يشير إلى كون الإرتباط الوجداني بالإذاعة ناتج عن مخاطبة المستمع باللغة التي يفهمها و تقديم البرامج التي تتناسب مع ذوقه و فكره.
تلعب الإذاعة دوراً عظيماً في تشكيل وجدان المستمع من خلال إشباع حاجته للمعرفة التي يحتاجها، و إمداده بالنوع الذي يفضله من باقة البرامج التي تقدمها عبر أثيرها، بكافة أشكالها و إستمرار بث المادة المحببة للمستمع و التجديد فيها يجعل إرتباطه بها أقوى؛ و بالتالي تصبح عالمه المحبب، من خلال الفرصة التي تتيحها الإذاعة للمستمع بإعمال الخيال لتكملة الصورة التي تُقدم عبر الصوت، وهذا يمنح (الصوت) بُعداً آخر؛يضيف للإذاعة قوة على السيطرة على وجدان الشعوب من خلال الإرث الذي تستند عليه و بالتالي التأثير و قيادتها المجتمع نحو الوجهة التي تحددها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق