الاثنين، 9 مارس 2020

نداءٌ بصوتٍ مبحوح





نزار عبدالله بشير

أسير حاملاً هواجسي معي، أحزان تتقطر من بين جوانحي و ليس ثمة جدار يمكن أن أتكئ عليه، العُزلة التي كنت أفضلها يوماً ما تركتني هي الآخرى...
فأصبحت بين الناس وحيداً؛ يرونني و لا أراهم. وحشتي أكبر من أن يؤانسها عابر و شوقي لا يواسيه لقاء، هناك في غائر أعماق القلب شعورٌ غريب، شئ لا يوصف، فقد، شوق، ألم، إنتشاء لا ملامح واضحة ولكن الأكيد أن هناك ألف نصلٍ حاد يقطع القلب إلى أشلاء؛ حد أنني الآن أتذوق طعم الدماء في فمي.
متعبٌ أنا...
هل يعني لك شئٌ هذا، غير قادر على التوقف ولا المسير، معلقٌ بين التَعَلُّق و السقوط، ألهث لأستنشق الهواء كأنني في حلمٍ مزعج تطاردني كل الأشباح القاتلة و أفلت من الموت في كل مرةٍ في اللحظة الأخيرة ثم تبدأ رحلة الهرب مرةً آخرى لأنجو بحياتي من جديد، و لكني غير قادر على المواصلة على هذه الطريقة...
مُتعبٌ أنا...
و كأن كل هذه المدينة تزحف على ظهري بناسها، بسياراتها و أسواقها...بكل ثقلها تمضي متباطئة على ظهري و أنا أموت من الأنين، ثمة طيفٌ هناك أشعر به؛ يد كأنها من نور تمتد لتزيح عني كل هذا الثقل المميت ثم حين تقترب مني تتلاشئ في الفراغ...
في المراحل الأخيرة من كل شئ، الإنتظار، الشوق، العشم، الأمل، اللقاء، الصبر...لا شئ يعزيني، حتى خيالاتي الغريبة إنتهت طيوف الذكرى التي كانت تراود كل حين، شيعتها ذاكرتي إلى مثواها الأخير.
يتساقطون الناس تباعاً من مكانتهم في العين و القلب و كأن الحب ( سراطنا المستقيم)  الذي نقيس به درجات إيمانهم بقلوبنا و صدق نبضهم تجاهنا، و المحصلة لا أحد، هنا الفراغ المخيف، الوحدة و التعب لا أحد رغم هذا الإكتظاظ الخانق، و لكنهم جميعاً عابرون كمحطات القطار، و أنا أبحث عن المقيمين فقد مللت الترحال.  أحياناً أتساءل أن يكون التسفار هو غدري في الحياة؟  هل قُدِّر لي أن لا أستقر ما حييت؟  ثم حين أغمض عيني و أذكر أوجه العابرين في حياتي أعرف أنني لم أسافر يوماً؛ و لكنني كنت محطة لكل العابرين، الذين يحبونك في البدء ثم تبادلهم الحب.. يلتصقون بك ثم تحبهم بإفراط، يتوددون إليك ثم تعتادهم و تدمن وجودهم و عند ساعة رحلتهم يهاجرون دون وداع لتكتشف لحظتها أنك مجرد محطة إنتظار قد وقعت في حب المسافرين و قدرهم أن لا يلتقوا أبداً.
قرأت مرةً قصيدة لكاتب سوداني يدعي ( نزار عبدالله بشير)  لا أذكر منها سوى بيت واحد يقول :

كيف تَطوِّل في غيابَك
و إنتَ عارف الشوق أناني

توقفت عند هذا البيت الشعري كثيراً، رغم عاميته الواضحة، إلا أنني لم أستطع تجاوزه، أحسست تحدث بلساني وقتها، توقفت أتساءل إن كان لهذا الشوق شعور، هل يشتاق؟  هل جرب ذاك الشعور القاتل بإنتظار أحدٍ ما، الشوق فعلاً أناني ...أناني جداً؛ يفعل ما يريد دون أدنى مراعاة لشعور الآخر.
متعبٌ أنا...
أبحث عن كل شئ، ولا شئ يستجيب، كأن هذا العالم مجرد غابة لا صوت فيها سوى أصوات الصراصير الذي تَصّن الآذان بصفيرها.. أو صحراء جرداء ليس فيها سوى الغبار و الرمضاء الحارقة، كأننا في عالم آخر... أين ذهب الناس؟ لماذا إختفت الحياة من على هذا الكوكب...؟ أين كل الجميلين الذين كُنا نهذي بهم ليل نهار؟ أين الذين كانوا يشغلون خيالاتنا بالرؤى؛ فيطلون بوجوههم الآسرة كلما صرفنا عقلنا للتفكير فإستحوذوا على العقل و القلب...
هذا النداء الأخير ..هل مَن يسمع ...؟
أنا متعب...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق