السبت، 1 فبراير 2020

المركب المثقوب والريس المكروب







محمد عبدالله برقاوي

الثورات غالباً ما تكون كالوتر المشدود على قوس هو عود أخضر طرفاه جيل محبوس في الماضي وآخر يبحث عن المستقبل... و حتمية الصراع بين الجيلين لا يحسمها حاكم إلا الضمير الذي ينحاز إلى مصلحة الوطن ويضحي في سبيل تقوية سيقان التغيير بما يلي ذاته من المنافع.
والسودان بعد أكثر من ستين عاماً من التخبط في لُجة الموج كالمركب المُثقل بأحمال فوق طاقته الإستيعابية و المثقوب في عدة مواضع و الشراع الواهن تملؤه رياح هوجاء والريس المكروب بمهمة  العبور إلى الضفة الآخرى يصارع في مختلف الإتجاهات و يحاول إستجلاء الميناء الذي  يلوح له بعيون التفاؤل والإصرار تارة..ثم يختفي فجأة خلف ضباب الإحباط تارةً آخرى.
و ركاب القارب إن هم جلسوا على طرفٍ واحدٍ منه ..أمالوه بالقدر الذي يهدده بالإنقلاب..وإن هم تفرقوا في أكثر من طرف تباعدت أصواتهم وإبتلعها هدير اليم الصاخب وتناثرت في
مسارات الرياح الكاسحة.
الآن تحققت لنا ثورة باتت مضرباً للمثل في إنتصار سلميتها على قبضات اللكم التي أدمت الوجوه..وأسقطت الشهداء..بينما الدول التي دخلت إلى عالم الثورية بتأجيج الحرائق.. بعضها أصبح رماداً... فيما البعض الآخر يتصاعد دخان وميض الفتن فيها من تحت الرماد الذي يبدو سطحه باردا.
فنحن دائما نعطي الدروس للآخرين في كيفية صناعة الثورات...ولكننا نحصد الخيبات من طريقة إضاعتها و بذات الآيدي.
وهنالك دروس عظيمة يبدو أننا لم نستوعبها رغم عراقة التجربة ومرارة الثمرات...و هي الفرق بين وجوب المحافظة  على عظام الثورة التي ينبني عليها مستقبل
الجسد ليكبر معافى.. و بين  الجلد الخارجي الذي يتمثل في حكومة الثورة.
فالجلد يمكن إستبداله بكامله إذا إستعصى على الترقيع..أما العظم فلابد أن يبقى دون أن يتعرض لمخاطر الكسر الذي قد لا يجدي معه تجبير البصارة التقليدية أو حتى حداثة الطبابة.
فمراكب الثورات لا يقودها الريس و طاقم تجديفه لوحدهم.
فإنتظام الركاب ومساعدتهم للمراكبية من الآهمية  بمكان..من  حيث إلتزامهم بقواعد توزيع مواقع الجلوس ودون أن تتنافر أصواتهم في التشاور حول كيفية المساعدة حول كيفية سد الثقوب و رتق فتوق الشراع وإعانه الريس المكروب في تجنب الغرق..إن لم يكن بفضة مد السواعد... فعلى الأقل فبذهب السكوت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق