الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

آحاسيس لا تعرف النسيان




نزار عبدالله بشير




تستهويني المطارات بكل ما تحمله فيها من مشاعر متناقضة، لا يفصل بين عناق الفرح و الوداع سوى جدار، هناك من يستقبل عزيزاً بقلبٍ نابض و عيون مترقرقة بدموع الفرح في صالة الوصول، و هناك من يودع حبيباً لا يدري إن كان سيقابله مرةً آخرى أم أنها الأخيرة التي يراهُ فيها، بين من يعانق ليودع و هو يستتر خلف نظارة شمسية أو منديل ليلملم به كل الدمعات التي هربت من سطوة الحبس في الجفون وراحت تنزلق نحو الخَد، وبين من يملأ العالم بأبتسامته وهو يستقبل ذلك العائد بعد طول غياب - بتوقيت الشوق.
هناك ثالث ينتظر، أولئك الذين لو تفحَصت وجوههم لرأيت فيها كل الآحاسيس مجتمعة، الذين ألِفوا صالات الإنتظار و مَلّتهم مقاعدها؛ إنظروا إلى عيونهم جيداً إقرأوا فيها ما تستطيعون من مشاعر...
تجدهم مرهقين و كأنهم لم يعرفوا النوم مذ ولدوا، في حالةٍ من الترقب و الخذلان، إن عانقت أحدهم ستبكي قبله، هو بين التحمل و الإنفجار؛ ذاك الذي لم يستطع الصبر حتى يصله ذلك المسافر في مكانه، فأراد أن يتناقص عمره ويمضي الوقت حتى يصل ذلك الغائب و يرتوي من النظر إليه.
ثمة آحاسيس لا تعرف النسيان...
الجميع يعرفها ولسنا بحاجة لشرحها و لكن فلنقل كلحظة فراق عزيزٍ ما...
كــ حالتي هذه، أنا الآن في عرض البحر و في المنتصف تماماً و قد تمزق شراعي تماماً و لا شك أن الغرق آتٍ، مهما كانت مهارتي في السباحة فليس بمقدوري أن أقطع كل تلك المسافة بين شاطئ الماضي - هناك حيث كل شئ يجمعنا لحظة لقاءنا الأول إلى أن أصبحت الذكرى هاجس مخيف - وبين ضفة الحاضر، هناك حيث تبدو الحياة مخضرة و أجمل من مكان منطلقي.
قاربي عالِق تماماً، لا يقوى على الحركة سوى تلك التي تأتي بفعل الأمواج الهائجة، ما الحل إذن؟
أي شعورٍ ذاك الذي يغشاك حين تمر بالذاكرة ملامح صورة من كنت تُحب أو تعشق، شعورٌ يجتاحك تدريجياً ثم يسيطر عليك ثم يملأوك حتى تفيض، تجدني في حالة محاولة متكررة لإستدعاء صورتك التي تغمرها الإبتسامة و كأن لفظ الجمال حين (كُتِّب) أُخِذَ منها.
لماذا الذاكرة لا تستدعي صور الذين نحبهم إلا وهم يضحكون، لا شك أنها لا تريد سوى المزيد من أوجاعنا.
التعب يتملكني اليوم و لا طاقة لي على فعل أي شئ، سوى أن أستسلم للنوم فلربما كان الحلم موعداً صادقاً للقائك الموعود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق