الأربعاء، 14 أغسطس 2019

على أطلال الذاكرة (2-2)


نزار عبدالله بشير
 
" مساحة لإستعادة ذكريات قديمة..."
هذا المقال يعود للعام 2013م
----------------
هذا المساء يعجبني جداً ... يأتي جميلاً هادئاً...
جميل رغم كل شئ...ليس ككل الأمسيات التي نعرفها؛مساء بطعم مختلف....
ليس كمساءٍ إجتمعنا فيه ذات يوم تحت ضوء القمر نلعب "شليل" ....وليس كمساءٍ تناولنا فيه ذات مرة أكواب الحليب....
لن يكون كمساءٍ كان علي إحدى التلال الرملية في أحد ايام فبراير في فصل الشتاء في ليلة مقمرة جلسنا مستمتعين فيه بالأُنس القَمَري إحتفالاً بأحد الضيوف...
هو أيضاَ لم يكن كمساءٍ إجتمعنا فيه ذات مرة نتداول كُؤوس السمر المسائي وأنغام عثمان حسين يُردد "إجتمعنا علي المحبه في ثواني...في طريق مفروش بي حُبي وحناني...وإفترقنا كل واحد قي طريقو....أنا ضايع وإنت مخدوع بالأماني ثم يمد ما تبقى من الجملة اللحنية بطريقته التي تثير الشجون...".
مع هذه الاهات ينطق صديقنا "دُنيا ياخ"...لنُكمله مساءاً يمتزج بالروعة و الإلفة
لم يكن مساء كمساء إلتقينا فيه نُوزّع الأمنيات لغدٍ مجهول وماضي جميل....
مساء يذكرني بأول مساءٍ شهدته في العاصمة ...بالرغم من زحمة المدينة وضوضاءها إلا أنه كان مساءاً إستمتعت به جداً...
كان مميزاً لأبعد مدى ...تنقلت فيه بين محطات (الإف إم) المختلفة و إستمعت فيه إلى أصوات مذيعين معتقة ...وأنغام موسيقيه جميلة...
إزدان حي المزاد والإشلاك بحري بأثواب من الجمال علي إيقاع حركة المرور السريع...في ذلك المساء
ربما كان عكس ذلك المساء الذي غني له سيد خليفة "ولى المساء الوالِّه المحزون."....
 لكنه حتماً هو ذات المساء الذي أعطى شاعر هذه الأغنية تأشيرة دخول لحدود الأمل ليكتب :
"غداً نكون كما نودُ ونلتقي عند الغروب...غداً تعودُ مباهِجي ...غداً حبيبي حتماً يعود.."...
بالرغم من كل شئ هذا المساء يحملُ توقيعاً جمالياً مُختلفاً..."أحيانا أشياء صغيرة تعيد إلينا ذكريات فقدناها زماناً طويلاً"...
لا أدري كم مره شَهِد منكم ...شخصاً أُختِصرتْ حياته في لحظات، كان يتحدث معك وسريعاً يحين وداعه الأبدي...
ولا أود أن أسال كم مره شهدتموها لأعرف ...ولكن بكل المعاني صعبة تلك اللحظة التي تري فيها إنسان يموت أمام عينيك وأنت تقف عاجزاً عن أن تقدم له شئ...
كثيراً ما تساءل مرافقوا المرضى:
" كيف تقفون عاجزون وأنتم أطباء ...أجيب بأن الموت لا علاج له..."
شخص يكلمك وتكلمة ماهي إلا لحظات ويودعك إلى الرحيل الأبدي...سفرٌ بلا رجوع...
نعم كلنا راحلون ...وجميعنا إلى ذلك المصير ..فقط تأملوها إنسان يشاركك الحديث وهو الآن في قائمة المودعين...
لحظات سريعة وترتفع الأصوات بالبكاء والنشيج ...تتحشرج الحناجر بالنياح...تمتلئ القلوب بالآهات ...وتدمع العيون بالدموع...
سريعاً ما يسود الحزن بالمكان ،وتنادي الأصوات معددة الصفات الحميدة من النائحات ...
لماذا لا ننصف الأشخاص وهم أحياء..؟؟ ولماذا لا نعطيهم ما يستحقون إلا بعد أن يفارقوا الحياة...
أؤمن جداً "ان لا تعرف قيمة الشئ إلا بعد أن تفقده " ولكن ليس لدرجة بعد أن نفقد الإنسان؛ولأن الموت رحيلٌ أبدي (لا عودة منه ) ينبغي أن نعطي كل ذي حقٍ حقهأن نشكر،ونهتم بهم قبل الرحيل...
في ثالث أيام العيد إلتقيت بأحد عازفي الكمان وقد عزف مع المذياع أغنية صلاح بن الباديه:
 "أنا مابقول يا قلبي أقسي وخلي للحب الدرب لكن كمان ماتكون عنيد وتحب ليك زول ما بحب "...
كان موسيقياً مهووساً بالموسيقي وبعد أن أكمل عزفه سلمني آلة الكمان...
تسلمتها برفق وضعتها علي كتفي وبدأت بالعزف جاء النغم نشازاً ...إستنكرت ذلك..
سالته غاضباً "لماذا لم ينساب اللحن جميلاً كما كان عنده...
ففاجأني بإجابته قائلاً:
"الكمان آلة أنثي ...فتفحصتها ناظراً فإذا هي كذلك"رأس،ضفائر،جِيد،صدر... وبقية تفاصيل جسد الأنثي"....
إستغربت جداً كيف هذه الآلة تشبه الأُنثى لهذا الحد ؟ بل كيف أني لم أكتشفها كل ذلك الزمان وهي قربي.....
بل زادني إنها تشبهها حِسا قائلاً :
 "لن تُسلم لك نفسها ما لم تعشقها زماناً،وتصحبها طويلاً ؛فانك لن تتملكها ولن تكون لك "..
حقا إنها رقيقة...جميلة مرهفه كالأُنثي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق