رمضان زمان
يحتفل السودانيون بمناسباتهم بشكل مختلف , ويشكل الإحتفاء برمضان جزءا
من ذاكرة كل منا , ويختلف هذا الإحتفال حسب المرحلة العمريه.
أقف بين الحين والآخر علي آخر ملامح رمضان كانت قد دونته ذاكرتي
المتهالكه , فإذ بها تجود بصورة رمادية اللون , تبدو وكأنها قد مضي عليها عقد أو
عقدين فلا أزال أتأملها حتي تاهت مني فجأه
في زخم الحاضر.
روائح الحلو مر (الآبري) تعبق مداخل القريه ومنظر الدخان يتسرب من بين
مسام الرواكيب الهزيله في مشهد مسرحي ممتع , تمر أنت وإذا بمنظر تهتز له جوانب
الدهشه , النسوه يجتعمن في مجموعات صغيره يلقطن ويتجاذبن أطراف الحديث , وهنا تدخل
سير المسافرين والمغتربين , وتغتنم الفرصه إحداهن لترمي (الودع) , وسط تقافز أصوات
رشفات القهوة.
يتسامرن النسوة طيلة فترة صنع الحلو مر وتحضيرة , وربما صاحب ذلك
دندنات و(دوزنه) من الاغنيات الشعبية المتوارثه , فيمضي النهار سريعا ويكون
التعاون من قبلهن فينجز العمل سريعا. ويكون ذلك كقيمة متوارثه من الاجيال السابقه
وبتوجيه فطري.
أما الاطفال فيقضون ساعات النهار بين اللهو ...ومراجعة الدروس ...حيث
تختلف الالعاب بين المتوارث والمستحدث , أما الشباب فعادة ما يتوزعون لانجاز
اعمالهم المعتاده , و كبار السن فهم في إجتماعات (الدواوين) يناقشون قضايا القرية
المختلفه والتي ترتب حسب الاولويه .
عند إغتراب الشمس من الغروب , حيث تبدأ في لملمة بقايا أثوابها
الذهبيه من أطراف الكون , تزيد الضجة داخل المنازل , أصوات الامهات وهن يعدن ويوجهن صغيراتهن للمشاركه في إعداد صينية
الافطار للاخ الاكبر والاب , الشباب يكونوا قد عادوا وإجتمعوا مكان الكبار الذين
يكونوا قد إنصرفوا
إلى منازلهم إستعدادا للعودة قبل الافطار.
إلى منازلهم إستعدادا للعودة قبل الافطار.
ماهي إلا لحظات سريعة حتى يتجمعون في براحات من الحب يفترشون فيها
(البساط) وكل يأتي بما جاد به يومه ويتشاركون أطعمتهم , وهم في إنتظار آذان المغرب
يستغلون زمن الإنتظار للأنس وحل مستعصيات الأمور.
يتكوم الأطفال علي مقربة من تجمع الرجال في (الضرا) ...فما ان يبدأ
الآذان يرتفع وقبل أن يبدأون بالشراب يؤشر أحدهم للأطفال بأن أذهبوا للشراب ,,,
فكل منهم يجري نحو بيتهم ليزف الخبر لمن في البيت بحلول وقت الشراب حيث كانت حينها
أجهزة الراديو في بالعدد , ويعدوا الاطفال مرددين بموسيقى فرايحية (أشربوااااا) ,
ثم يبدأ وقت الإفطار ....ثم يحضرون إلى الضرا الذي عادة ما يكون (مكان) صلاة
المغرب طوال فترة رمضان , وما أن يسلم الإمام ينصرفون مجددا لإحضار الشاي
والقهوة... وإنتظارها حتى إرجاعها.
عادة ما يمر المساء سريعا هناك , تبدأ جلسات السمر ويلتقي الشباب علي
قمة التلال الر ملية أوربما علي مساحات خالية خارج القريه وأحايانا في ميداين الكره
للأنس الذي يحمل من القيم , والدعابة , والغناء والمرح ما يبقى طويلا في الذاكره
وتترك مساحه ثابته للابتكار والجديد في الخواتيم قبل التفرق وأمل اللقاء , هنا
يجدر الذكر أنه بالرغم من كثرة المتجمعين الا انه ان غاب احد يزار في منزله من
الجميع ,, ويتفرقون علي وعد للتلاقي.
غدا يوم جديد , شروق جديد , فصباحه دوما يكون هادئ بعض الشئ , ثم
ينقضي الصباح بمتعه , ويأتي النهار ولحظات الترقب والتجمع حول راديو واحد عادة ما
يكون للعمدة او التاجر او مغترب , والإستمتاع بموسيقى الفترة المفتوحة علي أثير
أمدرمان ,, وانتظار الفقرات المختلفة حتى قريب وقت الظهيرة, ثم يمضي اليوم وينتهي
من غير تعب ولا نكد وإرهاق.
مضت تلك السنون سريعا وتبقت ذكراها , تهوم علينا كل ماإتكأ أحدنا علي
ذاكرته قليلا أو سمع لحنا كان قد ألفه قبل أعوام ...مضى كل شئ وبقيت الذكرى,, وكل
عام وأنتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق