الثلاثاء، 5 يوليو 2022

عام على رحيل القدال : نزار عبدالله بشير يكتب


 *مشاهد متقطعة لصورة واضحة


     *نزار عبدالله بشير

 


” ﺭﻭﺡ ﻳﺎﺑﺎ.. 

ﻭ أبقى ﻗﻔﺎﻙ..

ﻻ ﺗﻌﺎﻳﻦ ﻭﻻﺗﻌﺎﻳﻦ ﻋﻠﻲ

ﻣﻮﻃﺎﻙ

ﻭ ﻻ ﺗﻨﺪﻡ على ﺧﻄﻮا

ﺗﻤﻠﻲ ﻣﺸﻴﺘﻮ ﻟﻰ ﻗﺪﺍﻡ

ﻭ أبقى ﺍﻟﻌﺎﺗﻲ ﺯي

ﺳﻨﻄﺘﻨﺎ ﺯي ﺻﺒﺮﺍً ﻧﻠﻮﻙ

ﻓﻮﻕ ﻣﺮﻭ ﺯﻯ ﺍﻟﺰﺍﺩ

ﻻﺷﻴﺘﺎً ﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﻑ

ﻭﻻﺑﺮﺟﻊ ﻭﻻ ﺑﻨﺰﺍﺩ ..“


(القدال )


المشهد الأول :

المكان :

مركز منتدي دال الثقافي..

الزمان :

خواتيم العام 2016م إن لم تخنِ الذاكرة.. 

كانت قد وصلتني دعوة لتغطية فعالية تختص بليالي للعود و ببيت العود و كان الموسيقار نصير شمة هو الضيف، و كان منتدى دال هو المشرف علي تلك الفعالية، وصلت باكراً و وجدته في مقدمة المُستَقبلين تسبقه إبتسامته (المريحة) ليتلقاك عند الباب كعادة كل أهالينا (في الجزيرة) مُرِحباً ..

و في ختام الفعالية كنا علي المائدة نتناول ضيافتنا و كان هو يقف إلى جانبنا مؤنسناً و ممازحاً، إختطفت الوقت للحظات برفقته و تآنسنا عن الأغنيات و الشعر و الثقافة و عوالمها فإنتبهت إلى تجمع بقية حولنا فتحول الحديث إلى ونسة (عامة) و عند إنفضاض السامر أذكر كنت المتبقى مع الزميلة (إشتياق عبدالله ) محررة الصفحة الفنية في صحيفة الوطن آنذاك، كانت قد مازحته مشاكسة عن كثير من المواقف و تواعدا علي لقاءٍ صحفي قريب، أما أنا فظفرت برقم هاتفه و وعد بالتلاقي بعيداً و قريباً من الإعلام و إفترقنا...


المشهد الثاني :

المكان : 

حديقة عبود - بحري

 الزمان :

العام 2021

حين أصر صديقي الإعلامي (مؤمن عبدالحميد طالب) علي حضور حفل عقد الجلاد، و من هناك ذهبنا برفقة الصديق محمد إبراهيم (بترول ) رئيس منظمة النيل، و كنت و كأنني أكتشف محمد طه القدال للمرة الأولى حين غنْت عقد الجلاد (الطمبارة و الغناي ) و كانت هي المرة الأولى التي أستمع فيها للأغنية علي المسرح مباشرة، كانت القدال يطل من بين كلمات الأغنية بذات الإبتسامة التي إلتقيته فيها للمرة الأولى و بهيئته التي عرفته بها النظارث المميزة على عينيه، جلابيته البيضاء و صديريته الرمادية و عمامته البيضاء و الجمهور يتمايل مع أنغام عقد الجلاد و هي تُحلِّق باللحن على صوت القدال الذي إختفى وراء الموسيقى منذ أن دونها :

” و الريح مشحتفة في البلود الفيها ريحتك.. “

كنا في عوالمنا تلك حتي إنقضى الليل و إنفض السامر..

منذ اللقاء الأول كنت ألتقي القدال في مرات متقطعة في المناسبات العامة، و التي لم يكن فيها البراح للقاءٍ طويل، فكنا نجبر بالهاتف منها ما تقطع بالوصل، و لم نفِ بوعدنا باللقاء و إنقطع التواصل بعدها طويلاً، حتى سألني أحدهم ذات يومٍ عن رقم هاتفه، فتساءلت كم مرّ من الوقت و لم نلتقِ و لم نتحدث؟  بحثت عن هاتفه فوجدت أن (كارته) ما زال موجوداً من بين الأوراق القديمة التي أحتفظ بها، و كنت أظن أن في العمر متسع لألتقيه مجدداً..

لم تكن علاقتي به ذات خصوصية و ربما من أكثر المبدعين الذين لم أحظَ معهم بجلسات طويلة و لكنه كان  بسيطاً في تعامله في المرات القليلة التي صادفتها فيها، البساطة التي تدعوك إلى أن تلتقيه مرات و مرات..

بالأمس حمل الناعي رحيل القدال عن دار الفناء إلي الخلود، كثيرون أحزنهم الرحيل مثلي و الكثيرون ما زالوا مفجوعين من ذلك الخبر..

عزائي الصادق لكل أهله و أصدقاءه و محبيه و لقبيلة المبدعين عموماً..

(إنا لله و إنا إليه راجعون ..) 

تقبله الله القبول الحسن...

رغم هذه المشاهد المتقطعة التي تطل في الذاكرة بين الحين و الآخر؛ إلا أن صورته واضحة جداً و كأنها قد طُبعت عليها، بملامحه السودانية الخالصة و إبتسامته المريحة..

القدال : ” فوكّا مو راجع و لا بالحيل قريب “

ألف رحمة و نور


الخرطوم 5 يوليو 2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق