*مشاهد متقطعة لصورة واضحة
*نزار عبدالله بشير
” ﺭﻭﺡ ﻳﺎﺑﺎ..
ﻭ أبقى ﻗﻔﺎﻙ..
ﻻ ﺗﻌﺎﻳﻦ ﻭﻻﺗﻌﺎﻳﻦ ﻋﻠﻲ
ﻣﻮﻃﺎﻙ
ﻭ ﻻ ﺗﻨﺪﻡ على ﺧﻄﻮا
ﺗﻤﻠﻲ ﻣﺸﻴﺘﻮ ﻟﻰ ﻗﺪﺍﻡ
ﻭ أبقى ﺍﻟﻌﺎﺗﻲ ﺯي
ﺳﻨﻄﺘﻨﺎ ﺯي ﺻﺒﺮﺍً ﻧﻠﻮﻙ
ﻓﻮﻕ ﻣﺮﻭ ﺯﻯ ﺍﻟﺰﺍﺩ
ﻻﺷﻴﺘﺎً ﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﻑ
ﻭﻻﺑﺮﺟﻊ ﻭﻻ ﺑﻨﺰﺍﺩ ..“
(القدال )
المشهد الأول :
المكان :
مركز منتدي دال الثقافي..
الزمان :
خواتيم العام 2016م إن لم تخنِ الذاكرة..
كانت قد وصلتني دعوة لتغطية فعالية تختص بليالي للعود و ببيت العود و كان الموسيقار نصير شمة هو الضيف، و كان منتدى دال هو المشرف علي تلك الفعالية، وصلت باكراً و وجدته في مقدمة المُستَقبلين تسبقه إبتسامته (المريحة) ليتلقاك عند الباب كعادة كل أهالينا (في الجزيرة) مُرِحباً ..
و في ختام الفعالية كنا علي المائدة نتناول ضيافتنا و كان هو يقف إلى جانبنا مؤنسناً و ممازحاً، إختطفت الوقت للحظات برفقته و تآنسنا عن الأغنيات و الشعر و الثقافة و عوالمها فإنتبهت إلى تجمع بقية حولنا فتحول الحديث إلى ونسة (عامة) و عند إنفضاض السامر أذكر كنت المتبقى مع الزميلة (إشتياق عبدالله ) محررة الصفحة الفنية في صحيفة الوطن آنذاك، كانت قد مازحته مشاكسة عن كثير من المواقف و تواعدا علي لقاءٍ صحفي قريب، أما أنا فظفرت برقم هاتفه و وعد بالتلاقي بعيداً و قريباً من الإعلام و إفترقنا...
المشهد الثاني :
المكان :
حديقة عبود - بحري
الزمان :
العام 2021
حين أصر صديقي الإعلامي (مؤمن عبدالحميد طالب) علي حضور حفل عقد الجلاد، و من هناك ذهبنا برفقة الصديق محمد إبراهيم (بترول ) رئيس منظمة النيل، و كنت و كأنني أكتشف محمد طه القدال للمرة الأولى حين غنْت عقد الجلاد (الطمبارة و الغناي ) و كانت هي المرة الأولى التي أستمع فيها للأغنية علي المسرح مباشرة، كانت القدال يطل من بين كلمات الأغنية بذات الإبتسامة التي إلتقيته فيها للمرة الأولى و بهيئته التي عرفته بها النظارث المميزة على عينيه، جلابيته البيضاء و صديريته الرمادية و عمامته البيضاء و الجمهور يتمايل مع أنغام عقد الجلاد و هي تُحلِّق باللحن على صوت القدال الذي إختفى وراء الموسيقى منذ أن دونها :
” و الريح مشحتفة في البلود الفيها ريحتك.. “
كنا في عوالمنا تلك حتي إنقضى الليل و إنفض السامر..
منذ اللقاء الأول كنت ألتقي القدال في مرات متقطعة في المناسبات العامة، و التي لم يكن فيها البراح للقاءٍ طويل، فكنا نجبر بالهاتف منها ما تقطع بالوصل، و لم نفِ بوعدنا باللقاء و إنقطع التواصل بعدها طويلاً، حتى سألني أحدهم ذات يومٍ عن رقم هاتفه، فتساءلت كم مرّ من الوقت و لم نلتقِ و لم نتحدث؟ بحثت عن هاتفه فوجدت أن (كارته) ما زال موجوداً من بين الأوراق القديمة التي أحتفظ بها، و كنت أظن أن في العمر متسع لألتقيه مجدداً..
لم تكن علاقتي به ذات خصوصية و ربما من أكثر المبدعين الذين لم أحظَ معهم بجلسات طويلة و لكنه كان بسيطاً في تعامله في المرات القليلة التي صادفتها فيها، البساطة التي تدعوك إلى أن تلتقيه مرات و مرات..
بالأمس حمل الناعي رحيل القدال عن دار الفناء إلي الخلود، كثيرون أحزنهم الرحيل مثلي و الكثيرون ما زالوا مفجوعين من ذلك الخبر..
عزائي الصادق لكل أهله و أصدقاءه و محبيه و لقبيلة المبدعين عموماً..
(إنا لله و إنا إليه راجعون ..)
تقبله الله القبول الحسن...
رغم هذه المشاهد المتقطعة التي تطل في الذاكرة بين الحين و الآخر؛ إلا أن صورته واضحة جداً و كأنها قد طُبعت عليها، بملامحه السودانية الخالصة و إبتسامته المريحة..
القدال : ” فوكّا مو راجع و لا بالحيل قريب “
ألف رحمة و نور
الخرطوم 5 يوليو 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق