الأربعاء، 6 مارس 2019

مـــزاج المســـاء











نصيحة أولى ...
لا تقرأ هذه الكلمات صباحاً...
نصيحة ثانية ...
إذا كنت تود الحصول على الطعم (الحقيقي) لهذه الكلمات إقرأها وأنت تشرب شيئاً...
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أضواء المدن،اللافتات،الإسفلت،السيارات كانت أولى ملامح التمدن التي تسرني وكانت تمتعني في رحلاتي القليلة التي قمت بها في صغري ... في الواقع كانت الألوان هي ما يبهرني حقاً ... ألوان الأضواء وأنت تنظر للمدينة من أعلى،ثم اللافتات وما تحمله من رسومات كل ذلك أضحى مشهداً عادياً خالياً من الدهشة ...
كانت للمساء طعمه وشكله،في المدن والقرى،جلسات السمر المسائية بصحبة ثلة من الأهل والأصدقاء،ليس ثمة شئ سوى الضحكات وكوب من )شاي اللبن( يصنع مزاج المساء ... وصوت راديو بالقرب منك يردد معه من بعيد أحد الجالسين في حواف الدائرة التي تجمعكم في المجلس ...
خلقوهو زول وكسوهو نور
من شدة الحياء والشعور
زادوهو ذوق وكسوهو تِيه
فتنته بيه
يردد مقاطع اللحن مع )الكاشف( ساهماً في عوالمه الرحبه ممسكاً بكوب الشاي بيده،ويسهو أحياناً فيتمايل مع اللحن،إلى أن ينتبه إليه أحد الجالسين،فينبه عليه الجميع ليشاركوه الإبتسامة.
مزاج المساء كوب من عصير الليمون المنعش وكتاب من ورق أصفر،تجلس على وضع شبه مستلقي،وورق ملون للملاحظات وأقلام على المنضدة وأنت غارق في عوالمك الخاصة والمتقاطعة مع أحداث الكتابة،ومشغل الموسيقى يبعث فيك شغفاً لأن تجرب شيئاً مختلفاً إحساس دون الطيران وأكبر من الجري ... ربما رقص ...
جربوا مِزاج المساء ...
بكوب من عصير الليمون ...
و(شرحبيل) يغني ... لو تعرف الشوق...
مزاج المساء،للوحيدين وغرف موصدة الأبواب،نوافذ مشرعة على مصراعيها كقلوبهم،هائمون في فضاء الغرف الضيقة كأنها بحار بلا سواحل،وأحلام بلقاء في الخيال القريب،لقاء ثنائي تمازجه السعادة،بين كل كلمتين ضحكة وإبتسامة،أمنيات بإجتماعِ عاجل وتخوف من مضي قطار العمر دون التوقف في محطات المحبين،عطورُ تملأ أرجاء المكان وخيال رفيق يشارك اللحظة ورقص على جثة الدقائق التي تموت تدريجياً ودمعة تنحدر خفية على الخد...
ركن هادئ،آلة كاتبة ودفتر وأقلام قارورة عطر وكوب قهوة خالي من السكر،وأصابع تطرق على لوحة المفاتيح برفق ثم تتمرد عليها لتكسب بعض الحبر على الورق ورشفات من القهوة قد تصاحبها قضمات من قطع الشيكولا من المنضدة المجاورة؛ مزاج المساء لكاتب تنعي أصابعه موت بطلته الحبيبه في رواية أو سيناريو،يهيم معانقاً أفكاره الغريبة وتستجيب الأنامل لأوامر الخط فتخلد عبارات وقناعات مختلفة،مرارة القهوة تمنحه شهداً ومزاجاً على تجسيد مشاهد ويمنحها الألوان التي تطوف بخياله،وحين تتمرد الأحرف يستعين (بعثمان حسين) وهو يردد من كلمات محمد يوسف موسى...
أمانه تطول وتتجدد
وأوعك تبقى ليك حدود
عليك ما أقصر الأعمار 
وعود ووصال... وصال ووعود
يستدعي كل اللحظات الجميلة تاركاً عثمان حسين يقوده في الدرب الأخضر إلى خواتيم اللحن.
مزاج المساء،مسرحية بطلها الفاضل سعيد،وحفل فنانه صلاح مصطفى،فيلم لعادل إمام...
صديقات إجتمعن عند إحداهن ينسجن من أحلامهن خيوطاً من ثوب التمني لعريس قادم من منفاه البعيد،محملاً بالهدايا،يتمازحن بحب مهنئات هذه العروسة بزواجها ويقتسمن ملابسها القديمة كفأل حسن لأفراح دائمة ومعادة...
وجلسن على ضوء القمر ينشدن ...
"يا ماشي لي باريس
جيب لي معاك عريس
شرطاً يكون لِبّيس
ومن هيئة التدريس"
ويحلق حولهن مجموعة من الشباب بأمنيات تشابه أمنياتهن فيهز بيديه مبشراً لتطلق إحداهن زغرودة تشق صمت الأمسيات...
مزاجنا،محمد كرم الله يغني لمحمد سعيد العباسي...
أما النوم أبا وجافاني
وأصبح داجي ساهر
وين ... ؟
حتى الطيف رحل خلاني ما طيب لي خاطر
على متن عربة لوري تشق طريقها وسط. الغبار في صحراء تشرب من دموع الهائمين على وجوهم بحثاً عن غائب...رعاة البقر وهم يسمعونها من راديو قديم ... او سجلها سائق العربة على شريط كاسيت بعد أن بثتها الإذاعه القومية في (ربوع السودان) ليجعها أنيسته في ترحاله للمسافات الطويلة ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق