الأحد، 21 يوليو 2019

إنكسار (القلم) وإنكسار (القلب) سواسية






نزار عبدالله بشير

 

كل الكُتب التي تقرأها لن تعبر عنك مهما حاول كُتّابها أن يغوصوا في كوامن الشعور الإنساني؛أنت وحدك القادر على كتابة حِسك،على تجسيد مشاهد القتال التي تتراصف على زوايا المُخيلة كل ليلة لتصنع من باحات هدوء الليل ضجيجاً يبدأ بخفقات القلق وينتهي بالسهاد حتى الصباح.
شعورٌ غامض يجتاحك الآن،شعور عصي على التدوين،شئٌ بين كل شئ،قلقٌ يتخلل فواصل الراحة اليومية،نشاذٌ في أغنيتك الحبيبة،فراقٌ حتمي حين الحوجة لعِناق،وحدك في هذا العالم تعاني؛ربما الكثيرون غيرك يعانون من ذات الشئ،لكن لا أحد يعلم عن معاناتك تلك التي تخفيها بين ثنايا الروح،تخفيها هناك بعيداً وتدعي أنك لا تعرفها،تتناساها وتنجح في إقناع (الكل)  بأنك بخير؛حتى الأقربين تقنعهم أولئك الذين توقن جيداً أنك لن تستطيع الكذب أو التمثيل أمامهم،لكنك في الواقع أقنعتهم ببساطة لأنك حاولت أن تقنع ذاتك بذلك،فتراها تتسلل كشعاع ينفذ من بين الغصون إليك يوماً ما فتنسيك كل شئ؛حينها تحاول عبثاً أن توقع على دفاتر الغيب إسماً لم تألفه،وللأسف تفشل؛فتجدك تتنقل بين الموسيقى والكتب،بين مشاهدة التلفاز وتصفح الإنترنت،تارةً تجالس الناس وتارةً تفضل الوحدة،تنتقل من حالٍ إلى حال ومن مكان لغيره دون أن تدرك ماهية (المجهول الذي تبحث عنه)  في أعماق روحك تدعي أنك تعرفه ولكنك تتراجع للحظة عن زعمك ذاك الخاطئ فتتوه مرةً أخرى.
لن تجد ذلك الذي تبحث عنه في شئ،كل تنقلاتك تلك لا ترضيك لم تجده - ذاك الذي لا تعرفه - وتواصل رحلة البحث من جديد تحاول هذه المرة أن ترسم على خاطر الورق (حُلم)  لخيالٍ قديم فتجد نفسك عاجزاً عن التعبير،يسقط فك الدهشة حينها كيف ذلك وأنت الذي قضيت عمرك قارئاً بين جنبات المكتبات القديمة وروائح الورق الأصفر ما زالت تفوح من مفارق أظافرك؟ كيف إستصعت عليك المفردات وأنت الذي قضيت عمراً بأكمله تخط كل شعورٍ يعتريك (صدقاً وتَمَثُلا) ...؟
إنظر لصدر الورقة الآن،تجده مخضباً بلون الحبر،الأحرف فيه متشابكة وأن الصفحات ممتلئة حتى نواصيها،بيد أنك لم تكتب شئ؛كل ذلك التداعي وأنت تخرج من بوابة اللغة صفر اليدين شعورٌ بالخيبة يسكن بقايا روحك المنهكة بالبحث،هل اللغة مثل البحر (تغدر بعَوَامّها) لذلك غرقت أنت عند أول شاطئ صادفك؟
يبدو أن التجربة هنا كذلك لم تفِ بالغرض،أنت الآن في ساحةٍ جديدة تحاول الخوض في تحارب حياتية متباينة بين الصداقة والحب،يختلط عليك الأمر،أو ربما أنت من تريد أن تُصَيّر الأمور هكذا بلونها الرمادي حتى لا تخسر عند الفراق،وتحاول جاهداً أن تُثبت وجودك في كل تلك العلاقات وما لا تعرفه أنك بالفعل،تبدي الإخلاص في كثيرٍ منها،تمارس ذلك الفعل لا شعورياً،تحاول البحث عن ذات الشئ - الذي لا تعرفه فيها - فتتنقل بينها كمحطات القطار ولكنك لن تترجل أبداً،تعتذر في كل محطة واعداً بالعودة مرةٍ أخرى،وتستمر المسيرة من جديد. فتعود لقلمك بكل من تملك من تجارب نزفت فيها أيام العمر ثمناً،فينكسر (قلم التعبير)  أو ينكسر (قلب اللغة)  وتعود طفلاً في الكتابة تحاول تهجئة إحساس المفردات من جديد،ما زالت ورقتك تنضح بالمفردات وتمتلئ حتى آخرها بالتعبير الجزل والماتع بيد أنك تمزق الورقة تلو الورقة،وتكشط السطر تلو الآخر حتى تغرق مساحاتها الآهلة بالبياض إلى سرادق عزاء (أزرقٍ) أو ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق